هل أنتم سعداء ؟!
روى طاغور (حكيم الهند
القديم) قصة لسلطان مرّ على جمع من الفلاحين ، فلمح في تقاطيع وجه أحدهم هماً
ثقيلاً ، فسأله عمّا ألمّ به ، فوجده يشكو الفاقة ، وسوء معاملة سيده الإقطاعي ،
وسمعه يقول بانكسار بالغ : لو أن لي شبر أرض ، لعشت حياتي كلها سعيداً فوقعت هذه
الكلمة في قلب السلطان ورثى له ، فأشار له إلى أرض بمد البصر ، وقال : تلك الأرض
التي ترى ملكي ، فأما بدايتها فهي لك ، فاركض فيها ، وحيثما توقفت قدماك سيكون
انتهاء أرضك ، فعدا الفلاح بكل قواه ، وكلما ابتعد قال سأجري أكثر ؛ ليزيد ملكي ،
وخارت قواه وهو يجري ، ولكنه كان يضغط على نفسه ، ويقول : إن ما نلته قليل ، وركض
حتى سقط ميتاً...
تلك القصة التي ينكر بعضهم
واقعيتها يثبتها العلم الذي يقول : إن العدّو بما يزيد عن طاقة الإنسان قد يؤدي
إلى فشل القلب ، وتعطل الوظائف الحيوية ، وهذا ما جرى بالمناسبة في أولمبياد
العالم عام (1987) عندما توفي عدّاء كيني فوراً ، وهو يعدو في الميدان .
تلك القصة لا أسوقها هنا
لأنفركم من الرياضة ، بل لأقول : إنها حياة أغلبنا بشكل أو بآخر ، عدّوٌ ولهثٌ ،
حتى ينقطع النفس الأخير ، إذ نعيش حياتنا نحارب من أجل النجاح ، ومن أجل المال ،
ومن أجل الاستقرار ، فيفنى ربيع العمر ، وخريفه في الجهد و الكَبَد ، ونمني أنفسنا
بالراحة ، ومتى ؟ في آخر العمر . فإذا ما وصلنا إلى تلك المرحلة وصلناها ، محملين
بإرث الصراع مع الحياة العصرية ، الضغط ، والسكر ، وتصلب الشرايين ، والروماتيزم ،
وما شاكلها ، فتمر الحياة بطولها دون أن نعرفها ، أو نختبرها ، أو نتمتع بها ،
فثقافتنا لا تعلم الإنسان كيف يحيا ، بل كيف يعيش ، وشتان بين العيش كبقية ما يدب
على الأرض ، وبين الحياة بكل ما تعنية من إحساس بالتفاصيل !
حقّـــاً .. ماقيمة الحياة
بين قائمة أعمال اليوم والغد والالتزامات والتعقيدات ؟! ما قيمة الحياة عندما يفوت
فيها الأب خطوات ابنه الأولى وكلماته الأولى ويومه العصيب الأول في المدرسة ، كيف
لا تنهار العلاقات ورب الأسرة يفارق أسرته في سنوات احتياجهم له ؛ ليلتصق بهم
لاحقاً ، وهو كهل يحتاج للرعاية !!
وينسحب ذلك في عصرنا
المسعور هذا ، حتى على الأمهات ، كثيرات منهن في الواقع ، وقد يأتي وقت التقاعد
الذي يمني المرء نفسه فيه ، فيجد نفسه عاجزاً حتى عن الراحة ، فمن تعود على اللهاث
لا يمكنه أن يتعلم الأسترخاء في آخر عمره ، إن من نسي منكم نفسه وصحته وعائلته
فعليه أن يصحو ، ولا يؤجل المهم – حقاً في هذه الحياة – لأيام قد تأتي ، وقد لا
تأتي ، ولنعلم أنفسنا و أبنائنا قبل فوات الأوان أن البحث عن الأمن لا في المال ،
بل في العلاقات الحميمة ، وتقفي السعادة في التغيير والتجديد ، لا في طلب المزيد .
الحكمة : ولنتعلم الظفر بالراحة عبر الإيمان بأن ما أصابنا لم يكن
ليخطئنا ، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ؛ كي لا تنتهي كصاحبنا الذي آثر الموت جرياً
على الوقوف والتمتع بما حصل عليه .
وَلَسْتُ أَرَى
السَعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ
وَلـكِـنّ
التَقّـِيَ هُـــوَ السّعِيــدُ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق