الخميس، 27 نوفمبر 2014

إقتباسات من كتاب فن إدارة المواقف "هل أنتم سعداء ؟!"

هل أنتم سعداء ؟!

روى طاغور (حكيم الهند القديم) قصة لسلطان مرّ على جمع من الفلاحين ، فلمح في تقاطيع وجه أحدهم هماً ثقيلاً ، فسأله عمّا ألمّ به ، فوجده يشكو الفاقة ، وسوء معاملة سيده الإقطاعي ، وسمعه يقول بانكسار بالغ : لو أن لي شبر أرض ، لعشت حياتي كلها سعيداً فوقعت هذه الكلمة في قلب السلطان ورثى له ، فأشار له إلى أرض بمد البصر ، وقال : تلك الأرض التي ترى ملكي ، فأما بدايتها فهي لك ، فاركض فيها ، وحيثما توقفت قدماك سيكون انتهاء أرضك ، فعدا الفلاح بكل قواه ، وكلما ابتعد قال سأجري أكثر ؛ ليزيد ملكي ، وخارت قواه وهو يجري ، ولكنه كان يضغط على نفسه ، ويقول : إن ما نلته قليل ، وركض حتى سقط ميتاً...

   تلك القصة التي ينكر بعضهم واقعيتها يثبتها العلم الذي يقول : إن العدّو بما يزيد عن طاقة الإنسان قد يؤدي إلى فشل القلب ، وتعطل الوظائف الحيوية ، وهذا ما جرى بالمناسبة في أولمبياد العالم عام (1987) عندما توفي عدّاء كيني فوراً ، وهو يعدو في الميدان .
    تلك القصة لا أسوقها هنا لأنفركم من الرياضة ، بل لأقول : إنها حياة أغلبنا بشكل أو بآخر ، عدّوٌ ولهثٌ ، حتى ينقطع النفس الأخير ، إذ نعيش حياتنا نحارب من أجل النجاح ، ومن أجل المال ، ومن أجل الاستقرار ، فيفنى ربيع العمر ، وخريفه في الجهد و الكَبَد ، ونمني أنفسنا بالراحة ، ومتى ؟ في آخر العمر . فإذا ما وصلنا إلى تلك المرحلة وصلناها ، محملين بإرث الصراع مع الحياة العصرية ، الضغط ، والسكر ، وتصلب الشرايين ، والروماتيزم ، وما شاكلها ، فتمر الحياة بطولها دون أن نعرفها ، أو نختبرها ، أو نتمتع بها ، فثقافتنا لا تعلم الإنسان كيف يحيا ، بل كيف يعيش ، وشتان بين العيش كبقية ما يدب على الأرض ، وبين الحياة بكل ما تعنية من إحساس بالتفاصيل !
    حقّـــاً .. ماقيمة الحياة بين قائمة أعمال اليوم والغد والالتزامات والتعقيدات ؟! ما قيمة الحياة عندما يفوت فيها الأب خطوات ابنه الأولى وكلماته الأولى ويومه العصيب الأول في المدرسة ، كيف لا تنهار العلاقات ورب الأسرة يفارق أسرته في سنوات احتياجهم له ؛ ليلتصق بهم لاحقاً ، وهو كهل يحتاج للرعاية !!
    وينسحب ذلك في عصرنا المسعور هذا ، حتى على الأمهات ، كثيرات منهن في الواقع ، وقد يأتي وقت التقاعد الذي يمني المرء نفسه فيه ، فيجد نفسه عاجزاً حتى عن الراحة ، فمن تعود على اللهاث لا يمكنه أن يتعلم الأسترخاء في آخر عمره ، إن من نسي منكم نفسه وصحته وعائلته فعليه أن يصحو ، ولا يؤجل المهم – حقاً في هذه الحياة – لأيام قد تأتي ، وقد لا تأتي ، ولنعلم أنفسنا و أبنائنا قبل فوات الأوان أن البحث عن الأمن لا في المال ، بل في العلاقات الحميمة ، وتقفي السعادة في التغيير والتجديد ، لا في طلب المزيد .

الحكمة : ولنتعلم الظفر بالراحة عبر الإيمان بأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ؛ كي لا تنتهي كصاحبنا الذي آثر الموت جرياً على الوقوف والتمتع بما حصل عليه .

               وَلَسْتُ أَرَى السَعَادَةَ جَمْعَ مَالٍ
                            وَلـكِـنّ التَقّـِيَ هُـــوَ السّعِيــدُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق